الشيخ جمال فراج يكتب أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ في خطبة الجمعة

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنَا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، وَأَشْهِدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلَّمْ وَبَارِكْ عَلَيهِ ، وَعَلَى آلِهِ وصحبهِ، ومَن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
وبعد :
فإن البرَّ اسم جامع لكل الخصال الحميدة ، والصَّفاتِ الطيبة ، والأخلاق الحسنة ، التي تورث الطمأنينة في النفوس ، وتنشر المحبة بين الناس ، وتحقق الاستقرار في المجتمعات، وعندما سُئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن البر أجاب قائلا : (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ).
ومما لا شك فيه أن الوالدين هما أولى الناس ببر الإنسان ، فلقد أمرنا الله (عز وجل) بالإحسان إليهما ، والبر بهما ، والتلطف معهما ، وخفض الجناح لهما .
وعندما ننظر في كتاب الله (عز وجل) وفي سنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) نری كيف تكون العلاقة المثلى بين الأبناء والآباء ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، وقد بين النبي (صلى الله عليه وسلم) أن بر الوالدين والوفاء بحقهما أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي. الدين وأعظم دعائم الإسلام، فعندما سُئل صلى الله عليه وسلم) : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : (الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا)، قيل : ثم أي ؟ قال : (ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) ، قيل : ثم أي ؟ قال : (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
وقد أعلى الإسلام من قيمة برّ الوالدين والإحسان إليهما، والعناية بهما، ثم خص الأم بمزيد من البر والعناية والرعاية والاهتمام، فقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، (مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ ، قَالَ : (أُمُّكَ) قَالَ : ثُمَّ مَنْ؟، قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثم أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثم – أبوك). وعن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم)، أي الناس أعظم حقا على المرأة ؟ قال : زَوْجُهَا). قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال : (أُمه).
ولا عجب في ذلك، فإن لم تكن الأم أحق بالوفاء فمن يكون إِذَا؟ مَن يكون | أحق بالوفاء ممن حملتك في بطنهَا تِسْعة أشهر كأنها تسع حجج ، وكابدت عِنْد وضعك ما يذيب المهج، وأرضعتك من ثديها لَبَنَا ، وغسلت بِيَمِينِهَا عَنْكَ الْأَذَى : وآثرتك على نفسها بالغذاء ، وإن أصابك مرض أو شكاية أظهرت من الأسف فوق النِّهَايَة ، ولو خيرت بين حياتك وموتها ، لاختارت حياتك بأعْلَى صَوتها ، من أحق بالبر ممن أوصى ربنا سبحانه وتعالى بها في قوله (عز وجل) : {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهَا وَوَضَعَتْهُ كُرْهَا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) .
إن من فضل الله (عز وجل) على العبد أن يوفق إلى البر بالوالدين وخاصة الأم، فمن هدي إلى ذلك فقد ساق الله (عز وجل) إليه خيرًا عظيمًا، وفضلًا كبيرًا؛ يرى أثره بركةً وتوفيقا وسدادًا فِي الدُّنيا، ويرجو ثوابه رحمةً ومغفرةً ونجاةً في الآخرة. وإن للبر بالأم فضائل وثمرات يجنيها البار في دنياه وأخراه، منها:
قضاء الحاجات، وتفريج الكربات ، واستجابة الدعوات، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ ، أَخَذَهُمُ المَطَرُ ، فَأَوَوْا إِلَى غَارِ فِي جَبَلٍ ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : انْظُرُوا أَعْمَانًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ ، قَالَ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَلِي صِيَةً صِغَارُ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِي ، وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ ، فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا ، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصَّبْيَةَ ، وَالصَّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيْ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ ، فَإِن كُنتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ، فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ، فَفَرَجَ اللَّهُ ، فَرَأَوُا السَّمَاء …) ، ثم تضرع كل واحد من صاحبيه بعمل أخلص فيه الله (عز وجل) ففرج الله عنهم ما كانوا فيه من ضيق وشدة.
ووفد أناس من أهل اليمن على سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فسألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس ، فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم، قال : من مرادٍ ، ثم من قرن ؟ قال : نعم ، قال : فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال : نعم ، قال : لك والدة ؟ قال : نعم ، قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، يقول : (يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَضٌ فَبَرَأَ مِنْهُ ، إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ) ، فاستغفر لي، فاستغفر له فقال له سيدنا عمر (رضي الله عنه : أين تريد ؟ قال : الكوفة ، قال : ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي ، ففي كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) إشارة إلى أن استجابة الله (عز وجل) لدعائه كان بسبب بره أمه .
عظم الأجر والثواب : فعَنْ مُعَاوِيَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ: (وَيْحَكَ ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟) قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالَ: ارْجِعْ فَبَرَّهَا) ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ : ( وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا)، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ: ( وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (وَيْحَكَ، الْزَمُ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ).
وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ !! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ …..
تكفير الذنوب والسيئات، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما)، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ أُم؟) ، قَالَ: لَا ، قَالَ : (هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟) ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ: (فَبرهَا) .
الفوز بالجنات ، والرفعة في الدرجات ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (رضي الله عنه)، قَالَ : قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : (الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا) قُلْتُ : وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: (برُّ الْوَالِدَيْنِ …) ، وعن السيدة عَائِشَةَ (رضي الله عنها) قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نِمْتُ ، فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئِ يَقْرَأُ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا؟ قَالُوا : هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (كَذَاكَ الْبِرُّ، كَذَاكَ الْبِرُّ )، وَكَانَ حارثةُ أَبَرَّ النَّاسِ بأمه.
فلنکن بارين بآبائنا وأمهاتنا ، أوفياء لهم ، ولنوقن بأن البرَّ دَيْنُ والعقوق كذلك ، وكما تدين تدان ، فإن عقوق الوالدين مما يعجل الله تعالى به العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، مصداقا لقول النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (اثْنَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللَّهُ : الْبَغْيَ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) ، وفي الحديث الشريف : (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ وَلَا مَنَّانُ وَلَا مُدْمِنُ خَمْر).
ان البر بالوالدين – وخاصة الأم – محل اتفاق بين جميع الشرائع السماوية حيث يقول سبحانه: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا …}، ويقول سبحانه مخاطبًا الناس جميعًا : {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنَا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
ولقد قطع الإسلام طريق العقوق على كل من تسول له نفسه ذلك ، فقد يرى بعض الشباب أنه أكثر تدينا من والديه ، فيغلظ لهما القول أو يسيء معاملتهما ، فنقول لأمثال هؤلاء : إن الشرع الحنيف يأمرنا بالإحسان إلى الوالدين ، والبر بهما حتى ولو كانا كافرين؛ وذلك حتى لا يتعلل عاق بعدم صلاح والديه ، وفي ذلك يقول الحق سبحانه : {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَتَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَى مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةً فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهِيَ رَاغِبَةً أَي في أَن أصلها ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْتُ : أَفَأَصِلُ أَمِّي؟ قَالَ: (نَعَمْ؛ صِلِي أُمَّكِ.
فالوالدان حتى مع كفرهما أو حتى حال محاولتهما أن يحملاك على معصية الله أو حتى على الكفر فلا تطعهما في ذلك ، غير أن ذلك لا يخول لك سوء معاملة أي منهما ، إنما يجب أن تكون في جميع أحوالك كما أمرك الحق سبحانه وتعالى فقال: {وَصَاحِبُهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) ، وينبغي عليك أن تدرك أن ذلك ليس تفضلا منك إنما هو حق وواجب عليك تأثم إن قصرت فيه أو لم تقم به. فَطُوبَى لِمَنْ أَحْسَن إِلَى أَمِّهِ واجتهد في برها وسعى إلى رَضَاهَا ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو (رضي الله عنهما) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (رضا اللَّهِ فِي رِضًا الْوَالِدَيْنِ ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْن).
اللهم أعنا على البر بآبائنا وأمهاتنا، واغفر لهما وارحمهما كما ربونا صغارًا